بلاد بابل
بابل، بلاد. منطقة تاريخية تقع حول نهري دجلة والفرات. وقد سمّاها الأقدمون بعدة أسماء، منها بابلونيا، أرض بابل، بلاد مابين النهرين ووادي الرافدين. ويقصد بها المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات، وازدهرت فيها حضارات السومريين والأكاديين (الآشوريين والبابليين). بدأت في هذه المنطقة حضارة عظيمة، في حوالي سنة 3500ق.م، بدأها السومريون واستمرت حتى القرن السادس قبل الميلاد وانتهت بسقوط بابل الكلدانية أمام الفرس. وقد ابتدعت هذه الحضارة شكلاً من أقدم أشكال الكتابة، وسنَّت مجموعات قوانين، وطورت علوم الرياضيات والفلك وغيرها. وحكم أرض بابل حكام عظام، مثل حمورابي ونبوخذ نصر وقورش الكبير والإسكندر الأكبر المقدوني.
أنماط المعيشة
انقسم المجتمع في بلاد بابل، خلال عصورها المختلفة، إلى طبقات متعددة وهي: الطبقة الأُرستقراطية (الطبقة العليا)، التي كانت تضم عادة، موظفي الحكومة والكهنة وملاك الأراضي الأثرياء وبعض التجار، أما طبقة عامة الشعب فكانت تتألف من الحرفيين والكتبة والمزارعين. ويلي ذلك طبقة الرقيق التي شكلت أدنى طبقات المجتمع البابلي.
اعتمد الاقتصاد البابلي، بصورة رئيسية على الزراعة. وتملّك النبلاء القسم الأكبر من الأرض، كما سيطرت المعابد على مساحات كبيرة. وبنى السكان شبكة من القنوات لسحب المياه من نهري دجلة والفرات إلى الحقول. وأبقى ملاك الأراضي القنوات ضمن ممتلكاتهم. وكان استخدام الماء منظمًا بعناية. وقد جنى المزارعون البابليون غلالاً كثيرة من القمح والخضراوات والفواكه.
كانت الصناعة والتجارة متطورتين جدًا. وصدَّر سكان بلاد بابل سلعًا مصنعة، وربما بعض المنتوجات الزراعية، إلى مختلف أنحاء الشرق الأوسط. واستورد التّجار، مقابل ذلك المعادن والخشب والأحجار، وهي المواد الخام التي تفتقر إليها بلادهم. وبعد سنة 3000ق.م، بوقت قصير، بدأ السكان باستخدام العربات والمركبات ذات العجلات. وبنى السومريون، وهم أوائل سكان وادي الرافدين الذين تذكرهم السجلات، أكواخًا من القصب والطين. واستخدم السكان الآجر المصنوع من الطين المحروق أو المجفف بالشمس، لبناء بيوتهم ومعابدهم، لعدم وجود الحجارة والأشجار في البلاد. اشتملت بعض المعابد والقصور البابلية على عددٍ كبيرٍ من الغرف والأفنية المزخرفة بالألوان. وكانت الزكورات ـ وهي أبراج المعابد التي تنتصب في المدن المهمة ـ أكثر العمائر المثيرة للإعجاب.
لوح الطوفان هو اللوح الحادي عشر من ملحمة جلجامش. وهو مثال رائع للكتابة المسمارية في بلاد بابل القديمة. |
اللغة والأدب
بدأ السومريون، في بلاد بابل نحو سنة 3500ق.م، بتدوين وثائقهم وكانت تتألف الكتابة من رموز تصويرية منقوشة على رقْم من الطين. وقد تحولت هذه الرموز، فيما بعد، إلى الكتابة المسمارية. وربما كان استخدام الكتابة المسمارية قد استمر حتى بداية التاريخ الميلادي. انظر: الكتابة المسمارية.
وجد الآثاريون في بلاد بابل، حتى الآن، مئات الألوف من الألواح المسمارية، وفي أماكن نائية، مثل الرسائل باللغة الأكادية التي عثر عليها في تلّ العمارنة في مصر. وهي ترجع إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد. أما الوثائق في بلاد بابل فقد كانت مكتوبة باللغة السومرية أولاً وباللغة الأكادية ثانيًا، وكلتاهما بالخط المسماري. وتحتوي هذه الألواح على وثائق تاريخية وقانونية ورسائل وسجلات اقتصادية ونصوص أدبية ودينية وبحوث في الرياضيات والفلك والطب والسحر.
عندما تبنى الساميون، وهم الأكاديون، نظام الكتابة المسمارية السومرية، لكتابة لغتهم الخاصة، اقتبسوا أيضًا عددًا كبيرًا من القصص السومرية. إلا أنهم بدلوا الروايات الأسطورية حول الخلق وسير آلهتهم كي توافق نظامهم الديني الخاص. وأعظم هذه الروايات شهرة قصة الخلق وملحمة جلجامش. والأولى تروي نسبتهم خلق العالم لإلههم مردوك، وهو أكبر معبود أكادي. أما الثانية فإنها تصف طوفانًا كبيرًا شبيهًا بقصة الطوفان الذي حدث في عهد نوح عليه السلام. وجلجامش بطل سومري أسطوري. كما أبدع الأكاديون أيضًا مجموعة من القوانين سُميت بتشريعات حمورابي القانونية، وكتب الآشوريون المتحدثون باللهجة الثانية من الأكادية عن مغامرات الملوك وجيوشهم بعد الحقبة البابلية الباكرة.
تُظهر النصوص الرياضية والفلكية أن سكان وادي الرافدين القدماء هم الذين قسموا محيط الدائرة إلى 360 درجة، والساعة إلى 60 دقيقة. كما أنهم عرفوا الكسور والمربعات والجذور التربيعية، واستطاعوا التنبؤ بخسوف القمر وكسوف الشمس.
الدين. كان الأكاديون الساميون قد تبنوا الديانة السومرية، مثل صنوف الأدب السومري، تبنيًا جزئيًا. غير أنهم ركزوا على آلهة مدنهم الخاصة أكثر مما ركزوا على آلهة السومريين القديمة. ولكن الأكاديين، في الواقع، لم يتخلوا مطلقًا عن الآلهة القديمة، ولذا وصل عدد الآلهة التي عبدوها إلى الآلاف. فقد كان لكل مدينة ـ دولة آلهة حامية لها، كما كان هناك آلهة تمثل الشمس والقمر والنجوم والطقس والمحاصيل والأنهار والأرض.
كان سكان بلاد بابل يعتقدون بأن أحداثًا ما تدور بين المعبودات في السماوات وأن هذه بدورها تؤدي إلى ما يطرأ في الطبيعة والكون من تغييرات. وكانوا يعتقدون أن الملك يحكم في الأرض كممثل لهذه المعبودات، وجاء زمن كان فيه الملك مؤلهًا. وكانت الديانة خليطًا من دراسة النجوم (التنجيم) والجو والسحر، وذلك مما أدى إلى الاهتمام بعلم الفلك فيما بعد.
الفن
ربما كانت صناعة الفخار وزخرفته من أقدم فنون بلاد بابل. ومازال هناك عدد كبير من بقايا القطع المحطمة من الفخار المبكر جدًا مع نماذج وتصاميم ملونة. بدأ سكان البلاد، في حوالي سنة 3000ق.م، ينحتون الأحجار والأصداف، وبدأوا في الوقت نفسه تقريبًا بصنع التماثيل. كما أنهم أنتجوا الحلي الجميلة وأشياء فنية أخرى من الذهب والفضة.
نبذة تاريخية
السومريون
كان السومريون أقدم سكان بلاد بابل، وتعلموا تجفيف المستنقعات وصناعة الآجر من الطين. كما زرعوا الأرض وحفروا القنوات وربوا المواشي. وصنع الحرفيون السومريون أشياء من الطين والأحجار والعظام والأخشاب والمعادن. بدأ العصر السومري، حسب ما حفظته الوثائق المحلية، بمجموعة من الدول المدن (مدن صغيرة مستقلة) سنة 3000ق.م، واستمر حتى حوالي سنة 2400ق.م. خاضت هذه المدن، مثل أور وأوروك ونُفَّر (نيبور) وكيش وأومّا، حروبًا محلية بعضها ضد البعض الآخر. وكانت كل مدينة تسيطر على المناطق المجاورة لها في أوقات مختلفة. وجاء وقت فرضت فيه أومّا سيادتها على جاراتها وأسّست ما يمكن أن يوصف بأنه أول إمبراطورية عرفها التاريخ.
موجات الساميين وغيرهم
كان الساميون، المعروفون بالأكاديين، قد دخلوا شمال بلاد بابل من بلاد الشام، في وقت مبكر. ونحو 3000ق.م. كان هناك شعبان في بلاد بابل، أحدهما ساميٌّ، هم الأكاديون، في الشمال، والآخر غير ساميٍّ، هم السومريون في الجنوب. وفي ظروف معينة تمكن سرجون الأكادي من إنشاء إمبراطوريته في القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد. فقد قاد جيشه شمالاً وغربًا حتى البحر المتوسط، وشرقًا حتى إيران. ومزج الأكاديون الحضارة السومرية بثقافتهم الخاصة. وأبقى خلفاء سرجون الإمبراطورية موحدة أكثر من 60 سنة حتى اجتاحها مغيرون عُرفوا بالجوتيين، أتوا من أماكن نائية في الشمال.
علماء الآثار يحفرون الأطلال. أطلال أثرية لقصر الملك نبوخذ نصَّر الجنوبي ببابل. |
بقي هؤلاء المغيرون، في بلاد بابل، وقتًا قصيرًا. إذ سرعان ما سيطرت أور على بقية بلاد سومر مائة سنة تقريبًا مؤسسة ما عرفت بأسرة أور الثالثة. لكن هذه أسقطها غازيان مشتركان، إيلامي من بلاد فارس، وأموري من بلاد الشام، أثمرا عن قيام ممالك أمورية في آشور وبابل وإشنونة في البلاد. واشتهر في بابل حمورابي الذي أقام بها مملكة واسعة، ازدهرت فيها الحضارة البابلية خلال الفترة ما بين 1800ق.م و1600ق.م. لكن مملكة بابل نفسها أسقطها الحيثيّون، من بلاد الأناضول بتحالف مع الكاشيين، وهم غير ساميين كانوا إلى الشمال من وادي الرافدين. ثم اعتلى الكاشيون عرش بابل أربعمائة سنة. وشهدت هذه الفترة ظهور مملكة ميتاني وعدة صحوات لآشور، انظر: آشور. ولما تمكن الآراميون من اعتلاء عرش بابل تحالفوا مع الفرس على إسقاط آشور في 622ق.م، مما أدى إلى قيام مملكة بابل الأخيرة التي ورثت ملك آشور وإمبراطوريتها. وفي القرن السادس ق.م، سقطت بابل في أيدي الفرس خلال فتوحاتهم في عهد قورش الثاني وأصبحت بلاد بابل كلها جزءًا من الإمبراطورية الفارسية الأخمينية، إلى أن جاء الإسكندر المقدوني فهزم الملك داريوس الثالث الفارسي الأخميني في 331ق.م، وضم إمبراطوريته، بما فيها بلاد بابل، إلى ملكه. ولما مات الإسكندر واقتسم ضباطه الثلاثة ملكه، كان وادي الرافدين من نصيب السلوقيين في بلاد الشام.
تعليقات
إرسال تعليق